في المؤسساتية العائلية الرؤى والمنهجيات قبل الشخصيات
لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وحيث أننا نكتب هذا المقال في إجازة يوم 12 ربع الأول للعام 1436هجرية وهي ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، وذكرى هجرته حيث وصل المدينة في نفس هذا اليوم في العام الأول الهجري، وتوفي أيضاً في مثل هذا اليوم من العام 11 هجري.
لذا نبدأ مقالنا بالصلاة والسلام عليه وعلى آله وصحابته وكل من سار على دربه الى يوم الدين ، ونُثني عليه خيراً كثيراً وعلى أمته الخاتمة أمة الاسلام وكل الأجيال المسلمة العاملة للدين، حيث قال الشاعر:
يا رسول الله طِب نفساً بطائفةٍ باعوا إلى الله الله أرواحاً وأبداناً
قادوا السفين فما ضلوا ولا وقفوا كيف لا وقد اختاروك رُبَّاناً
أعطَوا ضريبتهم للدين من دمهم والناسُ تَزعمُ نصرَ الدِّين مجاناً
أعطَوا ضريبتهم صبراً على محنٍ صاغت بلالاً وعماراً وسلماناً
عاشوا على الحب أفواهاً وأفئدةً باتوا على البؤس والنعماء إخواناً
أي عائلة تعيش فترة من عمرها بلا قيادة راشدة تسوس أمورها، ستشعر حتماً بالعشوائية، وستصطلي بنار الفرقة والشقاق، وستعاني من قلة الانجازات في حياتها العشوائية تلك، بل في بعض الأحيان قد تصاب ببعض الانتكاسات على أصعدة مختلفة تقلل من أسهمها بين العائلات.
وقد قال الشاعر الحكيم الأفوه الأودي:
الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لهم ولا سَراةَ إذا جُهالهم سَادوا
وحيث لا يوجد في هذه الحياة خير محض أو شر محض، فإن من حسنات الحالة السابقة– رغم سلبيتها – أن تهتدي العائلة إلى نهج المؤسساتية العائلية لتواكب عصرها، ولكنهاحين تهرب من العشوائية تلك ، فإنها تقع في منزلق خطير للغاية حين تبدأ مرة أخرى تتمركز حول الأشخاص وتبحث عن الهيئات قبل أن تجلس لصياغة الرؤى والمنهجيات واللوائح الحاكمة للسلوك العام، مما يجعلها كمن يفر من المطر لينزل تحت المزراب، لأن ذلك سيعيدها لنفس الحسابات والاختلافات السابقة التي شكلت الفترة المُرة التي رأت أن تفر منها بالمؤسساتية.
مثل لتقريب الصورة المقصودة بالمؤسساتية:
المؤسساتية مثل الباص أو القافلة الكبيرة أو السفينة التي يُراد لها أن تَمخرَ عُباب بحر الخلافات والاختلافات بين الناس المستقلين لها، فإذا اتفق الجميع على ركوبها فهذه هي الخطوة الأولى.
الخطوة التالية أن يتداعى الراكبون لهذه السفينة ليتفقوا على خط سير هذه السفينة، فيكون المسار واضحاً لجميع الركاب وبالتراضي بينهم أن السفينة ستسير في الاتجاه المحدد بسرعة كذا وكذا وستقف عن ميناء الدول الفلانية حسب الاتفاق وستمر بدولة كذا وكذا وستقف عند جزيرة كذا وكذا، بعد الاتفاق على كامل المسيرة والوجهة، يصير مُنزرعاً في نفوس الجميع بفعل الفكر المؤسساتي الراقي أن يترفعوا لدرجة عالية في الفكر الانساني لعيشوا مع الهدف والمنهجية والمؤسساتية والوجهة والمقصد، فترتفع نفوسهم عن الوقوف على شخصيات ربان السفينة والاختلاف عليها واثارة النعرات لإفشال فلان أو ترفيع علان، (وهنا يكمن عنصر الذكاء في علم المؤسساتية الذي يوفر فرصة مهمة لقيادة البشر واسترضاء ونفوسهم وتوحيدهم خلف رؤية مؤسساتية تقود خطوات الجميع ).
الخطوة الأخيرة بعد أن يتفق الجميع على المنهجية، وحسب اللائحة التي اتفقوا عليها في اختيار القيادة أو الربان أو مؤسسة المخترة بهيئاتها، يتم اختيار ربان الماهر الأنسب في هذه الفترة لقيادة السفينة نحو المسار المحدد لها مسبقاً، ولن يثير ذلك أي حساسية، لأن الربان السوبرمان والكاريزمي لن يوجد في كل الأوقات وكل العائلات وكل الشعوب وهكذا.
لذلك أعاود التذكير بالترتيب الذي أورته في المقال السابق وهو تحديد الرؤى والمنهجيات هما الخطوتين الأولى والثاني من حيث الترتيب في التنفيذ، بل قد نضيف لهم خطوة وضع اللوائح أولاً.
خطوة صياغة اللوائح الداخلية تُجيب عن أسئلة كثيرة منها:
- ما مكونات مؤسسة المخترة؟
- ما الطريقة التي سيتم بموجبها الاختيار؟
- ما المدة القانونية للدورة الانتخابية؟
- كيف سيتم تمثيل فروع العائلة أو مناطق تواجدها جغرافياً في الداخل؟
- كيف سيتم تمثيل الداخل مع الخارج (اذا كان للعائلة تواجد في دول خارج الوطن)؟
- ما العدد الواجب تواجده في أي ساحة أو فرع أو تواجد جغرافي حتى يتم احتسابه كيان منفصل في المجلس؟
- ما الضابط المحدد لعدد ممثلي كل فرع في الداخل أو تجمع سكاني جغرافي وكل ساحة في الخارج؟
- ما اللوائح الناظمة عند الاختلافات؟
- ما اللوائح الناظمة لاختيار المستويات التنفيذية واللجان المتفرعة عنها؟
- ما الضوابط التي يتم بموجبها مسائلة المستويات التنفيذية أمام المستويات العليا؟
أما خطوة صياغة الرؤى والمنهجيات فإنها تجيب عن أسئلة كثيرة منها:
- ما الرؤية المشتركة للعائلة حتى عام 2020؟
- ما الأولويات العائلية الواجب تحقيقها حتى التاريخ المذكور أو نهاية الدورة الانتخابية أو غيره؟
- كيف نشتق الرؤية المُلهِمَة للعائلة خلال الفترة؟
مثلاً: نريد أن تكون رؤيتنا للعائلة خلال السنوات الخمس القادمة:
- العائلة الأكثر في حفظ القرآن
- العائلة الأكثر في عدد المتعلمين.
- العائلة الأقل مشاكل عائلية داخلية وخارجية مع أي عائلة أخرى.
- العائلة الأكثر تكافلاً اجتماعياً.
- العائلة الأقل في البطالة والطاقات المعطلة، أو أي رؤية مشتركة تُلهم الجميع وتوحدهم للسير نحوها.
4. ما هي القيم المشتركة (المشترك العائلي) التي يتوجب على كل من يحمل اسم هذه العائلة أن يلتزم بها؟
مثل
- التدين والالتزام.
- الصدق والأمانة.
- عدم الاعتداء والعدوان على الآخرين.
- رفض أكل حقوق الناس بأي شكل.
- انصاف المظلومين.
- عدم الوقوف مع الظالم قوياً كان أو ضعيفاً، نسيباً كان أو وضيعاً.
5. كيف يُصنع القرار العائلي؟ وما دوائر صناعته؟
6. كيف يُخذ القرار العائلي؟ وما دوائر اتخاذه؟
7. ما المعايير التي يتم وفقها تقييم القرارات بعد تنفيذها واختبار درجة واقعيتها؟
8. كيفية تفعيل نظام التغذية الراجعة في كل الاستنتاجات التي تحتاج الى تعديلات؟
لذلك أدعو أي شخص قانوني أو مجموعة قانونية للتبرع وتزكية علمهم القانوني بما يعود بالنفع على الجميع ويعكف على صياغة ديباجات أولية تكمل المقالين هذا والسابق، وتوضع كجزء مكمل للمؤسساتية في الجانب الفكري والقانوني حتى تستفيد منه العائلات التي تحرص على تنظيم صفها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، أدعو الله عزوجل أن يكتب الخير للجميع اللهم آمين.