موسم الزيتون.. عرس فلسطيني له أهازيج وأمثلة شعبية خاصة
“موسم الزيتون” هو رمز الصلة الوطيدة التي تربط الفلسطيني بأرضه، وتعبر عن صموده، وتعد عنوانًا للهوية الوطنية، وكما يلحّ ناصر السومي في كتابه عن “فلسطين وشجرة الزيتون: تاريخ من الشغف”، فإن الزيتون مرادف لفلسطين، وفلسطين مرادفة للزيتون، فهما متواردان منذ الأزل، ومقيمان على صلة الشغف بينهما، فلا يمرّ صباح ولا مساء إلا وتكون شجرة الزيتون، شجرة النور كما يسميها الفلسطينيون، حاضرة، بوجه أو بآخر”.
تمثل مراحل هذا العرس الوطني الفلسطيني الذي تتوارثه الأجيال منذ ما قبل نكبة الـ 48 لوحة فنية تاريخية تزداد جمالًا بمشاركة الأطفال وكبار السن والنساء في الحصاد، حيث يحدد منتصف شهر تشرين الأول، موعدًا لبدء القطف في المناطق الساحلية وشبه الساحلية والدافئة؛ وبداية شهر تشرين الثاني في المناطق الجبلية لأصناف: النبالي والسوري؛ أما الصنف النبالي المحسن، فيتم تأخير قطفه إلى نهاية تشرين الثاني. وتنتج الضفة أحد أفضل زيوت الزيتون في العالم. ويصل عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى نحو 9 ملايين شجرة حسب منظمة أوكسفام.
وبينما يتوجب على الفلسطينيين أن يقوموا بقطف الزيتون التي تعتبر فلسطين وبلاد الشام الموطن الأصلي لها عليهم أيضا أن يواجهوا الاحتلال ومستوطنيه الذين يصرون في هذا الموسم وقبله على اقتلاع أشجار الزيتون ومصادرتها وإقامة الجدار حولها، والاعتداء على المزارعين، ومنعهم من الوصول لحقولهم، وسرقة ثمارهم، وحرق أشجارهم . فالسياسة التي تنتهجها دولة الاحتلال هدفها تغييب الثقافة الفلسطينية التي تندرج تحتها شجرة الزيتون الضاربة جذورها في التربة منذ آلاف السنين، فمنذ 1967 اقتلع الاحتلال ما يزيد على مليون ونصف المليون شجرة زيتون إمعانًا في طمس ثقافة السكان الأصليين.
موسم غزة بعد الحرب
تغلب الغزيون على جراحهم وحاولوا في أول موسم حصاد للزيتون بعد عدوان “الجرف الصامد” أن يفعلوا ما اعتادوا عليه في كل عام، في هذه الأيام تتزاحم الأقدام في الأراضي الزراعية في المناطق الجنوبية والشمالية بالقطاع ويركض الأطفال تحت شجيرات الزيتون وحول العاملين الذين تبرعوا في الغالب بمساعدة أصحاب الأرض في الحصاد.
الناشط الغزي صابر الزعانين منذ ثمان سنوات وهو ينظم مع فريق من المتطوعين حملات لمساعدة المزارعين على قطف الزيتون في كل مناطق القطاع.
يقول الزعانين: “نحن كشباب ونشطاء فلسطينيين نعتبر هذا الموسم هو عرس وطني وتراث فلسطيني نحيي فيه تراث آبائنا وأجدادنا، متذكرًا الفزعة والعونة التي كان الفلسطينيون يقومون بها قبل النكبة في كل بلد أو قرية لقطف الزيتون”.
ويتوقع تحسين السقا مدير عام التسويق في وزارة الزراعة في غزة في حديثه لوكالة “معًا” أن يصل إنتاج الزيتون الموسم الحالي لـ25 ألف طن من الزيتون بعد أن دمر الاحتلال 5 آلاف دونم وهذا أدى إلى فقدان وخسارة 5 آلاف طن من الزيتون، ورغم ذلك يؤكد السقا وجود وفرة في إنتاج الزيتون بالرغم من حجم الدمار نتيجة الحرب الأخيرة، موضحًا أن الإنتاج وصل لـ 20 ألف طن من الزيتون مقارنة بالعام الماضي الذي كان فيه الإنتاج 10 آلاف طن من الزيتون.
الشجرة الأولى
تعد شجرة الزيتون الأولى من حيث العدد في فلسطين، إذ يستحوذ على 67,3% من إجمالي الأشجار، وتحظى الضفة الغربية بالنسبة الأكبر من محصول الزيتون إذا تخصها نسبة 88,2% والباقي في غزة، وكما تظهر ورقة حقائق حول شجرة الزيتون في فلسطين أصدرها مركز التعليم البيئي التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، فإن أشجار الزيتون تتركز في محافظات: نابلس، وجنين، ورام الله والبيرة، وطولكرم، وسلفيت، وذكرت الورقة أن أشجار الزيتون تعطي ثمرها بعد 5-10 سنوات من غرسها، ويتراوح معدل ما تنتجه الشجرة متوسطة الحجم بين 20-30 كيلو غرام من الثمر، وتمتاز الشجرة بظاهرة المُعاومة (تبادل الحمل)، ففي السنة الأولى يكون الحمل غزيرًا وتسمى السنة بـ(الماسية)، وفي العام التالي يكون المحصول خفيفًا، ويطلق عليه (شلتوني)، ويمكن التخفيف من هذه الظاهرة بالخدمة المناسبة من تقليم وري وعناية.
وفي ديوان “عن الصمود” يقول الشاعر محمود درويش:
لو يذكر الزيتون غارسهُ
لصار الزيت دمعا!
يا حكمة الأجدادِ
لو من لحمنا نعطيك درعا!
لكن سهل الريح،
لا يعطي عبيد الريح زرعا!
إنا سنقلع بالرموشِ
الشوك والأحزان .. قلعا!
وإلام نحمل عارنا وصليبنا!
والكون يسعى..
سنظل في الزيتون خضرته
وحول الأرض درعا!!
أغاني وأهازيج الزيتون
يقول الفلسطينيون في واحدة من أشهر الأغاني التي تخص موسم الزيتون :
علـــــــــــــــى دلعونـــــــــة وعلــــــــــــى دلعونــــــــــــة
زيتـــــــــون بـــــــــــــــلادي أجمــــل مــــــا يكونــــــــــــا
زيتون بلادي واللوز الأخضر والميرامية ولا تنسى الزعتــر
وقراص العجــة لمـا تتحمـــر ما أطيب طعمها بزيت الزيتونا
خبــز ملتوت وجبنــة طريـــة أكلــــة تدفينــــا بالشتويـــــــة
وصحون السحلب والهيطليـة خلتنــا ننسـى بــردك كانونــــا
يا ربي تشتي ونلبس طاقيـــة ونلبس كبود ونحمل شمسيــة
ونغني سوى يا فلسطينيـــــة دايم في بلادي خبز الطابونـــا
وأيضًا من الأغاني الشعبية الخاصة بموسم الزيتون:
يا زيتون الحواري
صبح جدادك ساري
يا زيتون اقلب ليمون
ويردد أطفال فلسطين هذه الأغنية:
إمي راحت تتسوق وأختي بتخبز في الطابون
وستي عملتلي عجة قليتها بزيت الزيتون
قالت لي طعمي صحابك لا تنس ادفي حالك
قُلتلها شكرًا كثير عَ العجة وزيت الزيتون
أمثال شعبية
ولأن الأمثلة تتعلق بالذاكرة الشعبية الفلسطينية التي تعكس جزءًا هامًا من الهوية الوطنية تورد الباحثة المؤلفة والباحثة الفولكلورية ناديا البطمة بعض الأمثلة في ظاهرة قصر النهار في تشرين موسم الزيتون فتذكر “أيام الزيت أصبحت أمسيت” و”أيام الزيت طول الخيط”.
ومن الأمثلة الشعبية الخاصة بقيمة زيت الزيتون العلاجية المثل القائل “الزيت مسامير المعصب أو الركب” (المعصب هو المريض بأعصابه وآلام المفاصل(، وأيضًا “دهنه بالزيت وارميه ورا البيت” بمعنى أن الزيت علاج لأمراض الجلد وتشققاته، وفي مدينة نابلس أم الزيتون يعبر هذا المثل عن فوائد الزيت الغذائية حيث يقول “كول زيت وانطح الحيط” كناية عما يمد الزيت الجسم من القوة والطاقة والمغذيات.
ومن الأمثلة الخاصة باستعمال الزيت”:
“الزيت في العجين ما بيضيع” بمعنى أنه يكسبه ليونة وطراوة ونكهة الزيت البلدي المحببة، و”الزيتون شيخ السفرة”.
وفي أهمية الزيت الاقتصادية كما تورد البطمة المثل: “الزيت ملك المعاجز” أي فوائد كثيرة.
“خلي الزيت في جراره تتيجي أسعاره” وأيضًا “إذا أمك في البيت إيدك في جرة الزيت” و”اللي أمه في البيت بوكل خبز وزيت” بمعنى من كانت أمه في البيت فلا خوف عليه ويشير المثل أيضًا أن المرأة هي فارسة الأمن الغذائي وسيدته.
المصادر
- تراثيات بيئية
- قرابة 11 مليون شجرة زيتون في فلسطين
- فلسطين والزيتون لناصر سومي
- أول موسم قطف زيتون بعد الحرب بغزة… وفرة في الإنتاج
- من مزرعتي …. قطف الزيتون في فلسطيــن
ميرفت عوف | ساسة بوست